كشف فريق بحثي مشترك من الهيئة الملكية لمحافظة العُلا والمركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية (CNRS) عن أول دليل أثري موثق على وجود استيطان بشري مستقر في وادي القرى (العُلا حالياً) خلال الفترة الممتدة من مطلع القرن الخامس إلى مطلع القرن السابع الميلادي، في اكتشاف يُعد تحولاً مهماً في فهم تاريخ شمال غرب الجزيرة العربية.
ونشر الفريق دراسة علمية محكّمة في مجلة Arabian Archaeology and Epigraphy الدولية المتخصصة، وثّقت وللمرة الأولى معطيات أثرية تفصيلية تغطي مرحلة زمنية تمتد من القرن الثالث وحتى القرن السابع الميلادي في وادي القرى، وهي فترة طالما اعتُبرت فجوة معرفية بين نهاية العصر النبطي وبدايات العصر الإسلامي.
وسلطت الدراسة الضوء على مرحلة تاريخية كان يُعتقد تقليدياً أن الاستيطان المستقر تراجع خلالها بشكل واسع في عدد من مواقع شمال الجزيرة العربية، مثل تيماء وخيبر والحِجر، إلا أن نتائج التنقيبات الجديدة جاءت لتفنّد هذا التصور.
وبحسب الدراسة، جاءت هذه النتائج ضمن أعمال مشروع دادان الأثري، وهو مشروع تعاوني يجمع الهيئة الملكية لمحافظة العُلا، والمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، ووكالة تطوير العُلا الفرنسية (AFALULA). وشملت الأعمال ثلاثة مواسم تنقيب متتالية بين عامي 2021 و2023 في تل أثري يقع داخل حدود موقع دادان، وعلى مسافة أقل من كيلومتر واحد جنوب الموقع الرئيسي.
وكشفت التنقيبات عن مبنى معماري كبير شُيّد في أواخر القرن الثالث أو مطلع القرن الرابع الميلادي، واستمر استخدامه حتى النصف الأول من القرن السابع الميلادي، ما يوفر أول دليل أثري متكامل على استمرارية الاستيطان في المنطقة خلال تلك الحقبة.
وأظهرت النتائج وجود تسلسل معماري وثقافي واضح، تمثل في شبكة منظمة من الغرف والساحات، وساحة مركزية تحتوي على بئر وحوض وقنوات مائية، إضافة إلى دلائل على ممارسات زراعية وتخزين المحاصيل وإنتاج الغذاء ونشاطات حرفية، وهو ما يعكس وجود مجتمع مستقر ومنظم في وادي القرى خلال تلك الفترة.
ويُعد هذا الاكتشاف خطوة مفصلية في إعادة قراءة تاريخ العُلا، ويعزز مكانتها كمركز حضاري نشط لم ينقطع عنه الاستيطان، بل شهد تحولات تدريجية مهدت للانتقال من العصور القديمة إلى بدايات العصر الإسلامي.
المحرر: حسين هادي
